| |
وَحَدَثَ بَعْدَ هذِهِ الأُمُورِ أَنَّهُ كَانَ لِنَابُوت اليَزْرَ عِيلِي كَرْمٌ فِي يَزْرَعِيلَ بِجَانِبِ قَصْرِ أَخْآبَ مَلِكِ السَّامِرَةِ. (كتاب الملوك الأول ٢١: ١-١٦)
أزرق أبيض لكن أَسوَد
عمل فريق الخط الأزرق في الضفة الغربية
/تشرين الثاني ٢٠١٦
هذا التقرير هو الأول من نوعه المخصص لمعاينة نشاط "فريق الخط الأزرق" لدى الإدارة المدنية، والذي يعمل منذ العام 1999. "الخط الأزرق" أسم شامل أطلقته السلطات الإسرائيلية على ما يُعرف ب"أراضي دولة". أمّا الوظيفة الأساسية المنوطة بهذا الفريق، فكانت ولا زالت فحص دقة خرائط إشهارات أراضي الدولة، التي تمّ رسمها في سنوات سابقة، خاصة بأوائل الثمانينيات من القرن العشرين. بمعنى آخر، إعادة المصادقة على حدود هذه الإشهارات. منذ إنشائه حتى نهاية العام 2015 (السنة التي نملك عنها اليوم معلومات)، أجرى فريق الخط الأزرق مسحاً هندسياً لأراضٍ يصل حجمها الإجمالي لنحو 320،000 دونم، أُعلن في الماضي عن غالبيتها الساحقة أراضي دولة. الجزء الأصغر من عمل فريق الخط الأزرق قد خُصّص لمسح أراضٍ وضعت إسرائيل يدها عليها لصالح المستوطنات والبنى التحتية المحيطة بها، عبر الأوامر العسكرية المختلفة، ولمسح أراضٍ إشتراها اليهود قبل 1948.
مع مرور السنين، أصبح فريق الخط الأزرق عنصراً مركزياً بكلّ ما يتعلق في تطوير المستوطنات وتأهيل عشرات البؤر الإستيطانية لاحقاً، وذلك لكون قواعد عمل الإدارة المدنية تقضي بوجوب إعادة فحص وضعية الأرض لكلّ خريطة جديدة تُقدّم إلى المؤسسات التخطيطية بغية المصادقة عليها، وتكون مخططة على أرض دولة أُشهرت قبل العام 1998 (أي على الغالبية الساحقة من الأراضي المعلنة للدولة)، من قِبل فريق الخط الأزرق.
خلفية إنشاء فريق الخط الأزرق
عقب قرار المحكمة الصادر في إلتماس ألون موريه أواخر 1979، أعلنت إسرائيل عن ما يفوق 750،000 دونم من أراضي الضفة الغربية "أراضي دولة". وبعد تنفيذ التجهيزات التي تبعت إتفاقيات أوسلو (في السنوات 1993-1995)، بقي نحو 655،000 دونم منها ضمن المنطقة C. لقد تمّ إعلان هذه الأراضي كأراضي دولة إستناداً لتفسير محرّف أعطته إسرائيل لقانون الأراضي العثماني، حيث تمّ تخصيصها في الغالبية الساحقة من الحالات لتطوير المستوطنات، بينما أُلقي على الفلسطينيين حظر تامّ يمنعم من أي إستخدام لها. مع مرور السنين، أفضت الإشكاليات البنيوية المتعلقة بطريقة عمل آلية إشهار أراضي الدولة إلى تشكّل مستوطنات "منقسمة" لعدّة أجزاء، كما أبقت على عدد من الجيوب المكوّنة من أراضي ملكية خاصة فلسطينية، في قلب المستوطنات. على أثر ذلك، سُلبت مساحات شاسعة من أراضي الملكية الخاصة الفلسطينية المحيطة بالمستوطنات أو الواقعة داخلها، والتي لم تُشمل أبداً ضمن المساحات المعلنة.
تمّت المجموعة الأساسية من إشهارات أراضي الدولة بأوائل الثمانينيات على أيدي فريق ترأسته المحامية بليا ألبيك، التي ترأست أيضاً، خلال سنين طويلة، القسم المدني في النيابة العامة للدولة. ومنذ التوقيع على إتفاقيات أوسلو، طرأ إنخفاض حادّ على عدد الإشهارات وحجم الأراضي التي أُشهرت، لكنها لم تتوقف تماماً.
إلى جانب إنخفاض عدد الإشهارات النشطة الرسمية، تطورت قناة مسح موازية، تطلق عليها السلطات الإسرائيلية مصطلح "أراضي ‘سيكر‘"، أي الأراضي التي كان يمكن إشهارها أراضي دولة لأنها وفق سلطات الدولة غير مفلوحة أو غير مفلوحة كفاية، ويتوجب إعتبارها وفق ما تسميه هي "القانون الأساس"، أراضي دولة بكلّ معنى الكلمة. مَن يقوم بمسح هذه الأراضي هو "فريق أراضي ‘سيكر‘" الذي يعمل بموازاة فريق الخط الأزرق، لكن وبما أن إسرائيل لم تُجرِ حتى اليوم مسحاً شاملاً لكافة أراضي المنطقة C ، لا يوجد لدى أيّ من الجهات السلطوية أو المدنية صورة كاملة عن الموقع والحجم الإجمالي للأراضي التي تعرّفها إسرائيل (إن لم يكن فعلياً، فبالقوة) "أراضي دولة".
عمل فريق الخط الأزرق
حوالي 70% من الأراضي التي مسحها فريق الخط الأزرق، خلال سنوات عمله، تقع داخل مناطق نفوذ المستوطنات، بينما تقع البقية (30%) خارج مناطق نفوذها الرسمية، لكنها مشمولة ضمن حدود المجالس الإقليمية الستة القائمة في الضفة الغربية. جزء خسيس فقط من النسبة المئوية الأولى (0.2%) من الأراضي التي مسحها فريق الخط الأزرق حتى اليوم، تمّ تخصيصه لخدمة الفلسطينيين، وقد كان ذلك ل"تثبيت" البدو الفلسطينيين الموجودين شرقي أبو ديس، تحقيقاً لتوسيع مستوطنات "ݞوش معليه أدوميم".
لقد عمل فريق الخط الأزرق بكافة السنوات منذ إنشائه، ما عدا سنة 2002، ونلاحظ فجوات كبيرة جداً من حيث حجم الأراضي الممسوحة في كلّ سنة. 2005 و 2015 هما السنتان اللتان شهدتا الحجم الأكبر للأراضي الممسوحة من قِبله.
تجدر الإشارة إلى أن حوالي 70% من الأراضي التي قام فريق الخط الأزرق بمسحها هندسياً وغير الموجودة ضمن مناطق نفوذ المستوطنات، تقع داخل مناطق تدريب عسكري معلنة (علماً أن في الغالبية الساحقة منها لا تقام أية تدريبات). نتحدث هنا عن نحو 68،000 دونم، تعادل أكثر من خُمس مجموع الأراضي الممسوحة من قبل فريق الخط الأزرق، منذ تأسيسه. لقد شهدت السنوات الأخيرة إرتفاعاً حاداً بحجم الأراضي التي يعمل على مسحها هذا الفريق داخل مناطق تدريب، وباعتقادنا هذا يثبت أن مناطق التدريب العسكري ما هي إلاّ "بنك أراضٍ" في المقام الأول، تحتفظ به إسرائيل كإحتياطي أرض لصالح المستوطنات.
حوالي 60% من الأراضي التي مسحها فريق الخط الأزرق حتى اليوم تقع شرقي مسار جدار الفصل، أي حول المستوطنات المنعزلة وشرقي "كتل المستوطنات". في السنوات الأخيرة (منذ 2011)، تزداد قوة هذا المنحى، وباعتقادنا هذا دليل آخر على التناقض الموجود بين السياسة الإسرائيلية الفعلية وبين تصريحات سياسييها عن الإلتزام بحلّ الدولتين
"جودة" عمل فريق الخط الأزرق
يتبيّن بعد فحص كلّ الأراضي المعلن عنها أراضي دولة التي مسحها فريق الخط الأزرق، أن 14،716 دونم، والتي تعادل نحو 5.5% مما مسح، كانت مفلوحة بأوائل الثمانينيات ولم يكن من المفروض شملها ضمن حدود الخط الأزرق. ما لا يقل كثيراً عن نصف هذه الأراضي موجود اليوم ضمن الحدود الفعلية لل 65 مستوطنة والمناطق الصناعية والبؤر الإستيطانية المختلفة. أُنشأت فوق ما يقارب 6،000 دونم منها البنايات أو جرت عمليات تطوير للأرض فيها. هذا يعني أن آلاف الدونمات من أراضي الملكية الخاصة للفلسطينيين قد سُلبت خلافاً للقانون، حتى وفق المعايير "المتساهلة" جداً التي من المفروض أن تعمل السلطات الإسرائيلية بموجبها. ما يُستخلص من ذلك هو أن فريق الخط الأزرق قد فضّل غض النظر عن حقيقة فلاحة هذه الأراضي، ولاحقاً تأهيل ما سبق وبُني فيها، رغم أنه لم يكن من المفروض بأي حال من الأحوال البناء فوقها.
لقد أظهر فحص "جودة" ودقة عمل فريق الخط الأزرق، وجود فجوات كبيرة من حيث مستوى دقة المسوحات. تشير هذه الحقيقة إلى الفشل بتذويت المعايير المهنية الملزمة في عمل الفريق على طول السنين. من الواضح أن هذه الحقيقة لم تغِب أيضاً عن أعين أفراد فريق الخط الأزرق أنفسهم، والدليل أنهم أجروا خلال السنوات الماضية عشرات التعديلات على المسوحات السابقة. غير أنه في بعض الحالات، هذه التعديلات لم تُجدِ نفعاً، نظراً لعمليات البناء أو التطوير التي جرت في المواقع التي إقتطعها فريق الخط الأزرق من مسوحاته السابقة.
إن فحص "أخطاء" فريق الخط الأزرق يُظهر وجود دافع جليّ خلفها، ويتضح أن الغاية منها كانت فسح المجال لشق الشوارع الموصلة إلى المستوطنات، والأخرى التي تصل بين تلك المساحات المشمولة ضمن الخط الأزرق والمفصولة عن بعضها البعض. في عدد من الأماكن، شمل الخط الأزرق طرقات تاريخية ومناطق سكن ومعيشة فلسطينيين من مختلف الفئات السكانية. بهذه الطريقة، ساهم فريق الخط الأزرق في تقطيع أوصال المناطق السكنية الفلسطينية وإخلاء الفلسطينيين من مناطق معدّة لخدمة المشروع الإستيطاني.